اللواء دكتور طارق خيرت يكتب : كم من الأرض يحتاج الانسان

19 يونيو 2017آخر تحديث :
اللواء دكتور طارق خيرت يكتب : كم من الأرض يحتاج الانسان

يعمل الفلاح ” ابراهم” بجد واخلاص ليعول اسرته، لكنه كان فقيرا لا يملك ارضا فكان يردد دائما “اننا،نحن الفلاحين، نكادح من طفولتنا الى يوم مماتنا لكننا كالاموات لا نملك شيئا لو انني امتلك قطعة ارض صغيرة، لكان حالي غير هذا الحال.
“ذات شتاء، سمع ” ابراهم” ان سيدة تسكن في قرية قريبة تبيع ارضا، وان جارا لها اشترى خمسين هكتارا، وان السيدة قد وافقت ان يدفع لها نصف الثمن فورا، والنصف الاخر بعد سنة.
قال ” ابراهم ” لزوجته: لا يمكن ان اعيش حياتي كلها بلا ارض..سوف اشتري انا الاخر قطعة ارض من السيدة). وهكذا.. باع الزوجان عجلا كانا يمتلكانه، ونصف خلية نحل، وارسلا احد ابنائهما ليعمل اجيرا لمدة سنة، وقبضا اجرته مقدما .. وكانا يدخران مائة روبل، ثم اقترضا الباقي من شقيق الزوجة..فجمعا نصف ثمن الارض..ثم اختار” ابراهم” قطعة ارض مساحتها اربعون هكتارا بها جزء من الغابة.. وذهب الى السيدة واشتراها منها. اخيرا، اصبح “ابراهم” صاحب ارض .. فاقترض بذورا وزرعها.. وكان المحصول وفيرا.
فسدد في عام واحد باقي ثمن الارض ورد المال الذي اقترضه من شقيق زوجته.. واصبح سيدا يفلح مزارعه، ويقطع الاشجار من غابته، ويطعم ماشيته من مراعيه.. وكلما تجول في ارضه امتلأ قلبه بهجة وسعادة .. فقد كان يراها اجمل مكان في الكون ثم جاء يوم .
. مر على بيت ” ابراهم ” فلاح غريب قادم من وراء نهر الفولجا .. واخبره ان هناك اراضي كثيرة معروضة للبيع .. وحكى له عن خصوبتها وغناها، فالشعير يرتفع في الاراضي بارتفاع ظهر الحصان .. حتى ان فلاحا ذهب الى هناك لا يملك إلا يديه وهو الان يمللك ستة خيول وبقرتين امتلأ قلب ” ابراهم ” بالرغبه وقال لنفسه: ( لماذا أقضي عمري كله في هذا الشق الصغير من الارض، مادام بامكاني ان اعيش حياة رغدة في مكان اخر؟) و هكذا باع ” ابراهم ” ارضه وماشيته، وانتقل مع عائلته الى تلك الارض الجديدة .. وهناك وجد كل ما قاله الفلاح الغريب صحيحا، فاشترى اراضي زراعية ومراعي وماشية واصبح يملك كل ما كان يتمناه.
في البداية كان ” ابراهم ” سعيدا بما لديه فلما استقر به الحال لم يعد راضيا او قانعا فاستاجر اراضي اخرى ليزرع المزيد من القمح ثم راح يشتكي ويقول: ( لو كانت تلك الاراضي ملكا لي، لأصبحت مستقلا بنفسي، لا أحمل هم الايجار ولا احتاج للتعامل مع الاخرين)
في احد الايام، مر على ” ابراهم ” سمسار اراضي قادم من بلاد البشكير وقال انه اشترى ثلاثة عشر الف هكتار من الاراضي بمبلغ الف روبل فقط واضاف: لقد عقدة صداقات مع الزعيم وقدمت هدايا من الملابس و الحلوى والشاي وحصلت على ارض كلفني الهكتار الواحد منها قرشين.
قال ” ابراهم ” ساذهب الى هناك حالا لاجرب حظي، فربما حصلت على ضعاف ما امتلك الان وهكذا رحل ” ابراهم ” وترك عائلته لترعى الارض والماشيه ورحل مصطحبا معه احد خدمه وفي الطريق اشترى علبة شاي وبعض الهدايا كما نصحه السمسار وسافر اياما وليالي حتى وصل الى بلاد البشكير
تجمع رجال البشكير حول ” ابراهم ” وتبادلوا معه الهدايا واعدوا له وليمة ضخمه وصحبوه الى زعيمهم ليحدثه بشأن شراء الارض استمع الزعيم الى ” ابراهم ” ثم قال: اختر من الاراضي ما شئت فعندنا الكثير منها.
فسأل ” ابراهم   – وما ثمن الأرض.
قال الزعيم: ثمن الارض عندنا الف روبل في اليوم.
استغرب ” ابراهم ” من الاجابة ولم يفهمها وطلب من الزعيم المزيد من الشرح.
قال الزعيم: اننا لا نعرف قياس المسافة بالهكتارات ولكن بالايام أي ان كل الاراضي التي تستطيع ان تدور حوله سيرا على قدميك في اليوم الواحد هي لك بالف روبل.
قال ” ابراهم “ولكن الانسان يستطيع ان يمشي مسافة طويلة في اليوم الواحد.
ضحك الزعيم وقال: اذن تصبح ملكا له اما اذا لم يتمكن من العودة الى نقطة البداية قبل غروب الشمس يفقد ما دفعه من مال.
قال ” ابراهم “: وكيف تعرفون حدود الارض التي سرت حولها.
قال الزعيم :اننا نجتمع عند النقطة التي تختارها ثم تسير حول الارض التي تريد الحصول عليها وكلما استدرت في طريقك، احفر حفره، وكوم بها بعض الاعشاب وستكون هذه حدود ارضك في المساء بعد ان شربوا المزيد من الشاي واكلوا المزيد من لحم الضأن قدم رجال البشكير ل ” ابراهم ” فراشا من الريش ثم ذهبوا لخيامهم رقد ” ابراهم ” على فراشه لكنه لم يغمض له جفن فقد حدث نفسه عن المسافه التي يمكنه قطعها خلال يوم واحد وقدرها ب 35 ميلا واخذ يحلم بما سوف يفعله بهذه الارض الواسعة اخير لاح الضوء في الافق فهب ” ابراهم ” قائما وراح يتعجل رجال البشكير الذين كانوا يشربون الشاي، ثم ساروا جميعا الى نقطة البداية.
مد الزعيم ذراعيه ناحية السهول وقال :كل ما تدور حوله اليوم فهو لك برقت عينا ” ابراهم ” من الطمع فقد كانت الارض تمتد امامه منبسطه مثل كفه وشديدة الخصوبه وتنموا فيها الاعشاب حتى تصل الى خاصرة الانسان وضع الزعيم قبعته المصنوعه من فراء الثعالب على الارض وقال:-
من هنا تبدأ وهنا تنتهي …  فوضع ” ابراهم ” كيس النقود فوق القبعة وعلق قربة الماء على كتفه ووضع كيس الخبز في جيبه واخذ معه الفأس ذات الذراع الطويلة ثم وقف مستعدا بزغت اول اشعة الشمس فبدأ ” ابراهم ” في سيره بأتجاه الشرق فسار حوالي الف خطوه ثم توقف وحفر حفرة وجمع فوقها الاعشاب وبعد الف خطوة اخرى توقف وفعل نفس الشيء كانت الشمس قد اشتدة حرارتها فخلع ” ابراهم ” سترته وعلقها على كتفه ونظر نحو تلة البداية وقدر انه سار 3 اميال ثم التفت نحو تلة البداية فرآها بعيدة جدا وبدا الناس عليها كأنهم نمل اسمر فتوقف وحفر حفرة وشرب ماء من قنينته ثم انحرف يسارا وتابع سيره, لكنه لم يستلقي فقد خشي ان يغلبه النوم من شدة التعب تابع ” ابراهم ” سيره وقد ارتاح قليلا وامده الطعام ببعض الطاقة لكنه كان يعاني من شدة التعب والحر فراح يشجع نفسه قائلا: ساعة من العذاب ثم راحة باقي الحياة سار طويلا في الضلع الثاني ايضا حتى وصل الى بقعة منخفضة مغمورة بالماء تصلح لزراعة الكتان وحفر حفرة ثم استدار والقى نظرة على تلة البداية بدت التلة غير واضحة من شدة وهج الشمس فقال لنفسه: لقد سرت كثيرا في الضلعين الاولين و لابد اختصار الضلع الثالث ثم اسرع فس خطاه مالت الشمس نحو الافق الغربي بينما لم يقطع ” ابراهم ” إلا ميلين فقط في الضلع الثالث ومازال بينه وبين نقطة البداية عشرة اميال على اقل تقدير فقال: سأسير الان في خط مستقيم حتى لو اصبحت الارض منبعجةالشكل استدار ” ابراهم ” نحو تلة البداية لكنه كان يسير بصعوبة فقد انهكه الحر و تشققت قدماه الحافيتين و لكان الشمس لن تنتظر احد فراح ينظر الى التل ثم الى الشمس و يلهث قائلا: آه يا الهي ماذا افعل اذا تأخرت و فقدت كل شيء؟
ظل ” ابراهم ” يمشي ويمشي لكنه كان لا يزال بعيدا واصبح السير مرهقا بالنسبة له فرمى سترته على الارض ثم القى حذاءه ثم قربة الماء والقبعة لم يحتفظ إلا بفأسه التي يتوكأ عليها ثم اخذ يركض و يركض ويردد لنفسه لن اصل قبل الغروب لقد افسدت الصفقه بطمعي وواصل الركض وهو يلهث من شدة الخوف والتعب وقد بلل العرق قميصه و سرواله وجف ريقه من العطش وفقد السيطره على قدميه واصبحت دقات قلبه اسرع اقتربت الشمس من الافق واصبحت كبيرة و حمراء بلون الدم القاني ورأى ” ابراهم ” رجال البشكير فوق التله يلوحون له مشجعين و رأى قبعة الزعيم و كيس النقود وزعيم القبيلة يجلس الى جوارها واضعا يديه على خاصرته فظل يردد ” ابراهم ” لنفسه: لن اعيش لأتمتع بكل هذه الارضي سأموت بلا ريب … سأموت بلا ريب بعد قليل رأى “ابراهم ” الشمس وصلت الى الافق وغاص جزء منها في الارض فاندفع بكل قوته مادا جسمه الى الامام حتى اصبح من العسير على قدميه اللحاق بجسمه وصل اخيرا الى اسفل التل، فجذب نفسا عميقا وانطلق يجري صاعدا حتى وصل الى اعل التلة وراى القبعة والزعيم الى جوارها انطلقت صرخة الم من فم ” براهم ” وخانته قدماه فوقع على الارض ومد يديه فامسك بهما القبعة.
هتف الزعيم: يالك من رجل قوي ومميز لقد حصلت على ارض كثيرة جدا، واسرع خادمة نحوه ليرفعه عن الارض لكنه رأى الدم يتدفق من فمه… كان قد مــــات.
هز رجال البشكير رؤسهم شفقة وأسى ثم تركوه على الارض وانصرفوا. حمل الخادم فأس سيده وحفر له قبرا طوله ( ست أقدام ) ليرقد فيه .. فقد كان في الحقيقة لا يحتاج إلا ( لست أقدام ) فقط … تكفيه ليتمدد فيها، من قمة رأسه إلى أخمص قدميه.
الدروس المستفادة:
تحديد الاهداف، ما هو الذى ينقصه؟  هل كان محتاج لقطعة ارض ضعف التى معه وكام مرة ؟ وهل كان يستطيع مباشرتها بنفس الكفاء التى يباشر بها ارضه, أم سيحتاج الي عمال لمساعدته؟ وكم سيحصلون من مرتبات مقابل ذلك. وهل كان من الممكن ارسال ابنه للكفاح في تكوين مستفبله ويكتفى هو بما عنده.
أشارات الانذار المبكر:
1- فكان يردد دائما ” اننا نحن الفلاحين نكادح من طفولتنا الى يوم مماتنا لكننا كالاموات لا نملك شيئا لو انني امتلك قطعة ارض صغيرة، لكان حالي غير هذا الحال.
2- لماذا أقضي عمري كله في هذا الشق الصغير من الارض، مادام بامكاني ان اعيش حياة رغدة في مكان اخر؟)
3- عندما قال ” ابراهم ” ساذهب الى هناك حالا لاجرب حظي، فربما حصلت على ضعاف ما امتلك الان
بناء على السيناريوهات:
فكان يجب عليه اخذ فترة يتدرب عليها على قدرته على السير لمسافات طويلة, وهنا ياتى دور ادارة الازمات، ماذا فعل قبل الازمة هل درس طبيعة الارض والمناخ, نوعية الطعام المناسب لهذا الاختبار, كمية المياه المناسبة التى يحتجها فعليا ولا تشكل علية ثقل زائد أو قليلة لا تكفية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق