في هذه الجريمة بلغ الجشع مداه لدرجة أن الابن هانت عليه أمه وذبحها وفصل رأسها عن جسدها؛ الحكاية من بدايتها أن «الشحات» اعماه الطمع وتملك منه الشيطان فزين له أن والدته أخطأت عندما أرادت أن يقسم ورثها على أبنائها وفقًا للشرع، كان يصر على أن الأصح أن تكتب له الأرض هو وشقيقه فقط وتحرم شقيقاته السبع من الميراث بحجة أنهن بنات. لكن الأم، والتي بلغت من الكبر عتيا، كانت وكأنها لا تسمع منه شيئا، الأمر الذي جعله يعاملها بسوء، حتى وصل به الحال إلى أن ضربها، لكن هذا كوم وما أقدم عليه بعد ذلك كوم آخر، حيث قتلها وفصل رأسها عن جسدها وألقى بالجسد في مصرف زراعي، هكذا بكل جحود وسواد قلب، وهي أمه، تفاصيل تلك الجريمة المرعبة التي شهدت أحداثها قرية «سنهور» التابعة لمركز شرطة الرحمانية بمحافظة البحيرة ترويها السطور التالية.
صاحبة الـ ٨٦ عامًا تسعة أبناء، سبع بنات ورجلان، رجل منهم يعمل موظفًا، والآخر مزارعا، ولأن البنات السبع تزوجن، وكل منهن في بيت زوجها، والشقيق الموظف في عمله لا يدرك من أمور الزراعة ما يدركه أخيه. كان «الشحات» يرى أن هذه الأرض حقٌا له، وأن إخوته ليس لهم أى ميراث فيها. لأنه وفق مخيلته، هو الوحيد العامل فيها والقائم على زراعتها.
بدأت العلاقة بين «الشحات» وأمه علاقة فيها الكثير من المشاكل، كأنها ليست علاقة أم بابنها، فـ «الشحات» لم يكن بارًا بأمه كإخوته، بل كان دائم توبيخها، والتطاول عليها، وضربها أحيانا متذرعًا بأسباب كثيرة، منها هذا السبب الذي لازمه حتى لحظة ارتكاب جريمته، وهي أن أمه ستأكل حقه إن هي وزعت ميراثها على أبنائها كما يقول الشرع.
وبينما هو يخطط لكيفية جعل والدته تتنازل له منفردًا عن قطعة الأرض، فكر في أن يتخلص منها، ويضع إصبعها على عقد بيع هذه الأرض له. وبهذا ينال ما سعى لأجله.
كان مبرره في قتل أمه أنها طاعنة في السن، وأنها على مشارف الموت، وأنه لازال شباب لم يتجاوز عمره الـ ٦٠ عامًا!
لكن ولأنه معمي بالميراث، و مهووس بالمال، رمى وراء ظهره أمه، وتلك السنوات الصعبة التي عاشتها من أجله ولأجله. وقرر قتلها دون رحمة.
مصرف
جاء بـ «منجل» ووضعه في غرفة نومه، وأثناء غفلة دخل غرفتها وهي غارقة في سبات عميق، وبدون رحمة فصل رأسها عن جسدها.
ما أن نظر إلى أمه ووجد الدم يُغرق سريرها حتى انتابته قشعريرة، ونسي ما كان ينويه، ولم يفكر إلا في إخفاء معالم تلك الجريمة.
وعليه وضع جسدها في جوال والرأس في جوال آخر، وذلك بعد أن جردها من ملابسها بالكامل، ونزع منها القرط الذهبي، ووضع الجوالين على عربية كارو، ووضع فوقها وحتى لا يثير الشبهات نحوه بعضا من روث المواشي، وما أنا وصل إلى مصرف «إمري» الزراعي حتى ألقى بالجوالين في المصرف، وعاد وكأنه لم يفعل شيئا.
ساعة مرت تلو ساعة، والسيدة المسنة غير موجودة، وبناتها في حالة قلق وخوف عليها، وابنها «خليفة» كان هو الآخر يبحث عنها، و»الشحات» معهم يتظاهر بأنه قلق عليها وبأنه يبحث معهم. وعندما طال اختفاءها لم يجد الأبناء أمامهم سوى الذهاب إلى قسم الشرطة وتحرير محضر بالواقعة، وبالفعل حرروا محضرًا يحمل رقم رقم 10533 مركز دمنهور.
بعد أكثر من شهر من التحري والبحث من قبل القوات الأمنية تارة، والأبناء ومعهم «الشحات» تارة أخرى، استطاعت الأجهزة الأمنية أن تستخرج الجثمان متحلل من المصرف، بعد أن تم تطهيره صدفة في هذه الأثناء والعثور عليه من قبل أحد الأهالي والإبلاغ عن ذلك. وبعد تحليل الطب الشرعي تبين طريقة الوفاة، هنا بدأ الشك في الأبناء التسعة، لكن ولأن المشاكل بين «منصور» الشهير بـ «الشحات» وأمه كانت قبل قتلها في أوجها، كل الشبهات تحوم حوله، وفي الحقيقة لم يأخذ وقتًا واعترف بكل تفاصيل جريمته النكراء.
وفي حديثه لـ «أخبار الحوادث»أكد خليفة السكري، نجل المجني عليها، قائلا: «شقيقي كان دائم الخلاف مع والدتي بسبب رغبته بعدم توريث شقيقاتي الـ 7 في أرض ميراث أمي، ويوم اختفاء والدتي أنكر عدم معرفته بمكان تواجدها، وكان أول مكان بدأنا فيه البحث هو هذا المصرف، لأنه واقع على الطريق بين بيتها وبيوت شقيقاتي، وما أن بدأنا البحث في المصرف حتى بدأ يضللنا، وكلما نقترب من هذا المكان الذي كان فيه جثمان والدتي كان يقول لنا «أمي مش هنا»!
وأضاف: «الجريمة تمت في المنزل التي تسكن فيه مع شقيقي، ونقلها بالعربة «الكارو»، بعد وضعها في الجوال عقب تجريدها من ملابسها وقطع رأسها عن جسدها وألقى بالجثة في مكان والرأس لم نعثر عليها حتى الآن».
واختتم قائلًا: «والدتي كانت تعمل باليومية من أجل تربيتنا، حسبي الله ونعم الوكيل فيه».
جيران
كان جيرانها في حالة صدمة عندما علموا مصيرها، وأن ابنها «الشحات» هو الذي قتلها، حتى أن «سعدية إبراهيم» إحدى جيرانها أكدت لـ «أخبار الحوادث»: «الحاجة أنيسة حبيبة الناس كلها بصراحة، دورنا عليها ياما من أكتر من شهر واحنا قلنا راحت فين، مش عارفين ولحد دلوقتى مش مصدقين اللى حصل ده، دي كانت مش حارمه عيالها من شىء».
ويضيف «أحمد الريانى» قائلا: «كانت نعم الأخت، تغيث الملهوف وتطبطب على المجروح وتصل الرحم وتحب الناس كلها، ربنا ينتقم من اللى عملها، وانا مش مصدق لحد دلوقتى انها اتقتلت، واللى قتلها ابنها اللى كان بيعيط قدامنا وهو بيدور على امه».
حبس
وفي سياق متصل قرر المستشار محمود صلاح، مدير نيابة الرحمانية، حبس «الشحات» لاتهامه بقتل والدته ووضع جثتها في جوال وإلقائها في مصرف زراعي في دائرة المركز في محافظة البحيرة» ليتم العثور على جثتها بعد شهر من الإبلاغ باختفائها.
وتعود بداية الواقعة عندما تلقى اللواء أحمد عرفات، مدير أمن البحيرة، إخطارًا من مركز شرطة الرحمانية بعثور أهالي قرية الطويلة التابعة للمركز على جثة سيدة في العقد التاسع من العمر داخل جوال وملقاة في مصرف «امري»، وعليه قرر اللواء محمد شعراوى، مدير المباحث الجنائية، تشكيل فريق بحث من ضباط مباحث المديرية ومباحث الرحمانية، بالاشتراك مع فرع الأمن العام لكشف غموض الحادث وأسبابه وملابساته ومرتكبيه وضبطهم. توصلت التحريات المبدئية إلى أن المجنى عليها تقيم مع أحد أبنائها وزوجته، وأن لديها ابنا آخر وبنات جميعهم متزوجون في إحدى قرى مركز دمنهور، المذكورة تمتلك قطعة أرض زراعية ولها معاش شهري. وكشفت جهود فريق البحث وجود خلافات بين الإخوة حول الميراث، وقيام نجلها 58 سنة، بقتل والدته بـ»منجل» من أجل الميراث.