بقلم اللواء دكتور طارق خيرت
أعدها للنشر زكريا محمد
سبق ان اشرنا الى ان من أسباب حدوث الازمة أو تفاقمها هو” ممارسة الادارة بمفهوم ضيق – فشل متخذ القرار في ادراك إشارات الإنذار المبكر – عدم الخبرة أو الحداثة فى العمل – المعتقدات والثقافة الخاطئة …الخ “.
اذا نستنتج من هذه الأسباب انها تعتمد في المقام الأول على العنصر البشري، بسبب عدم فهمنا للأمور أو اختلافنا مع الاخر مما يدفعنا الى اتخاذ قرارات خاطئة في بعض الأحيان. ولقد استطاع الأمريكي توماس كون، تفسير ذلك وهو صاحب نظرية ( نظّارة العقل – البرادايم ) ..!قبل تعريف (البرادايم) أود استعراض بعض القصص التى تبسط مفهوم النظرية.
- توجد بين دولتين ضرائب مرتفعة على أغلب البضائع ما عدا البرسيم، فقد تلاحظ ان أحد الأشخاص بحمل برسيم كل يوم على دراجة نارية ونقله للدولة الأخرى، وكان يمر من خلال نقطة الجمارك دون أن يشك فيه أحد، واستمر الأمر لمدة طويلة، وبعد التحقيق اكتشف أنه كان يهرب كل يوم دراجة نارية .. هذا الشخص خرج عن حدود (البارادايم) لرجال الجمارك فلم يتمكنوا من كشفه.
- وفي محاضرة بمركز للمدمنين قام طبيب بعرض تجربة عن أضرار الخمر، فأحضر معه حوضين زجاجيين، الأول فيه ماء والثاني فيه خمر، ووضع دودة في الماء فسبحت ثم وضعها في الخمر فتحللت وذابت، حينها نظر الدكتور إلى المدمنين سائلًا هل وصلت الرسالة ..؟ فكان الجواب نعم ) اللي في بطنه دود يشرب خمر (هذا الطبيب نظر إلى التجربة من خلال بارادايمه، ولم يحاول الخروج إلى البارادايم الخاص بالمدمنين.
- كان أحد السائقين يقود سيارته بهدوء في أحد الطرق المزدوجة والمنحنية، وفجأة ظهرت أمامه سيارة في مساره واستطاع أن يتفادها بصعوبة، لكن حينما حاذاه صاحب السيارة الذي دخل في مساره فتح زجاج السيارة وصرخ بأعلى صوته حمار! غضب الرجل من هذه الكلمة ونعت ذلك الرجل بأقبح الصفات وبعد أن تجاوز المنحنى فوجئ بحمار ميت في الطريق واصطدم به ..! (بارادايم) هذا الشخص فسر كلمة حمار على أنها شتيمة، بينما كان الشخص الآخر يقصد بذلك تنبيه الرجل ولكنه لم يستوعب ذلك.
- كان هناك شخص اسمه هاري متخصص في فتح الأقفال والخزانات، وجاءه موظف من أحد البنوك الإنجليزية وتحداه أن يفتح خزانته خلال ساعتين، ضحك هاري وقال سأفتحها خلال خمس دقائق!
وبدأ هاري في محاولة فتح الخزانة واستغرق ساعتين ولم يفتحها، بعد ذلك يئس من فتح الخزانة واستند على باب الخزانة فانفتح الباب، لأن الباب كان مفتوحًا بالأصل، لم يكن في (بارادايم) هاري احتمال أن الخزانة مفتوحة، وهذه نقطة تسمى العودة إلى الصفر.
بعد استعراض هذه القصص (البرادايم) باختصار هو: مجموع ما لدى الإنسان من خبرات ومعلومات ومكتسبات ومعتقدات وأنظمة، مهمتها رسم الحدود التي يسير داخلها الإنسان وتحديد تصرفه في المواقف المختلفة .. لذا يطلق على البارادايم «نظّارة العقل» أو هو نظام التفكير عند الإنسان والعدسات التي يرى من خلالها الحياة .. و(البارادايم) قابل للتغيير في كل مراحله .. وقد يجعل الإنسان يرى الأمور بغير حقيقتها.. وهذا من أهم أسباب اختلاف البشر. الدروس المستفادة من الازمة:-
- إن ما نراه من الازمة ما هو إلا جزء صغير من كلٍّ كبير. لكل موقف ازموى زوايا يجب النظر من خلالها.
- إن ما ندركه عن الازمة ليس بالضرورة حقيقة نهائية ولا مطلقة.
تتغير القناعات الخاصة بكل قرار للازمة بتغيير الإدراك. ..ويتغير الإدراك بتغير المعلومات والمعرفة والخبرات.
- لن نفهم الآخرين ولن نكسبهم إلا عندما نفكر بالطريقة التي يفكرون بها، ويجب أن نوسع دائرة استيعاب الاختلاف حتى نحتوي الكثير من المواقف. (البرادايم) فردي وجماعي ويشمل خبراتنا الشخصية وعاداتنا وتقاليدنا الجماعية وكلاهما نقطة في هذا العالم الكبير.
مراجعة وتغيير (البرادايم) بشكل دوري مهمان لمواكبة التغيرات من حولنا ولنعيش الواقع بوعي متجدد غير منتهي الصلاحية.
لذلك يجب علي جميع اطراف الازمة الاقتناع أولا بالمبادئ السابقة لمنع حدوث الأزمات أو الحد من خطورتها وأستعادة النشاط.
